كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعن وهب: كان في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم. والخطاب في {عليكم} للسائلين إما اليهود وإما قريش على الخلاف الذي سبق في السائلين. وقوله: {ذكرًا} يحتمل أن يريد قرآنًا وأن يريد حديثًا وخيرًا، والتمكين الذي له {في الأرض} كونه ملك الدنيا ودانت له الملوك كلها.
قال بعض المفسرين: والدليل على أنه الإسكندر أن القرآن دل على أن الرجل المسمى بذي القرنين بلغ ملكه إلى أقصى المغرب وإلى أقصى المشرق وإلى أقصى الشمال، بدليل أن يأجوج ومأجوج قوم من الترك يسكنون في أقصى الشمال، وهذا الذي بلغه ملك هذا الرجل هو نهاية المعمور من الأرض، ومثل هذا الملك البسيط لا شك أنه على خلاف العادات وما كان كذلك وجب أن يبقى ذكره مخلدًا على وجه الدهر، وأن لا يكون مختفيًا، والملك الذي اسمه في كتب التواريخ أنه بلغ ملكه إلى هذا الحد ليس إلاّ الإسكندر وذلك أنه لما مات أبوه جمع ملك الروم بعد أن كان مع طوائف ثم قصد ملوك العرب وقهرهم وأمعن حتى انتهى إلى البحر الأخضر، ثم عاد إلى مصر وبنى الإسكندرية وسماها باسم نفسه، ثم دخل الشام وقصد بني إسرائيل وورد بيت المقدس وذبح في مذبحه ثم عطف إلى أرمينية ودان له العراقيون والقبط والبربر، ثم نحو دار ابن دارا وهزمه مرات إلى أن قتله صاحب حربه، واستولى الإسكندر على ممالك الفرس وقصد الهند والصين وغزا الأمم البعيدة ورجع إلى خراسان وبنى المدن الكثيرة ورجع إلى العراق ومرض بشهر زور ومات بها.
وورد في الحديث: «إن الذين ملكوا الأرض أربعة مؤمنان: سليمان بن داود، وذو القرنين» وقد تقدم ذكر ذلك وثبت في علم التواريخ أن الذي هذا شأنه ما كان إلاّ الإسكندر فوجب القطع أن المراد بذي القرنين هو الإسكندر بن فيلفوس اليوناني.
وقيل تمكينه في الأرض بالنبوة وإجراء المعجزات.
وقيل: تمكينه بأن سخر له السحاب وحمله عليها وبسط له النور فكان الليل والنهار عليه سواء.
وقيل: بكثرة أعوانه وجنوده والهيبة والوقار وقذف الرعب في أعدائه وتسهيل السير عليه وتعريفه فجاج الأرض واستيلائه على برها وبحرها.
{وآتيناه من كل شيء} أي يحتاج إليه في الوصول إلى أغراضه {سببًا} أي طريقًا موصلًا إليه، والسبب ما يتوصل به إني المقصود من علم أو قدرة أو آلة، فأراد بلوغ المغرب {فاتبع سببًا} يوصله إليه حتى بلغ، وكذلك أراد المشرق {فاتبع سببًا} وأراد بلوغ السدين {فاتبع سببًا} وأصل السبب الحبل، ثم توسع فيه حتى صار يطلق على ما يتوصل به إلى المقصود.
وقال الحسن: بلاغًا إلى حيث أراد.
وقرأ زيد بن علي والزهري والأعمش وطلحة وابن أبي ليلى والكوفيون وابن عامر {فاتبع} ثلاثتها بالتخفيف.
وقرأ باقي السبعة بالتشديد والظاهر أنهما بمعنى واحد.
وعن يونس بن حبيب وأبي زيد أنه بقطع الهمزة عبارة عن المجد المسرع الحثيث الطلب، وبوصلها إنما يتضمن الاقتفاء دون هذه الصفات.
وقرأ عبد الله وطلحة بن عبيد الله وعمرو بن العاصي وابن عمر وعبد الله بن عمرو ومعاوية والحسن وزيد بن عليّ وابن عامر وحمزة والكسائي حامية بالياء أي حارة.
وقرأ ابن عباس وباقي السبعة وشيبة وحميد وابن أبي ليلى ويعقوب وأبو حاتم وابن جبير الأنطاكي {حمئة} بهمزة مفتوحة والزهري يلينها، يقال حمئت البئر تحمأ حمأً فهي حمئة، وحمأتها نزعت حمأتها وأحمأتها أبقيت فيها الحمأة، ولا تنافي بين الحامية والحمئة إذ تكون العين جامعة للوصفين.
وقال أبو حاتم: وقد تمكن أن تكون حامية مهموزة بمعنى ذات حمأة فتكون القراءتان بمعنى واحد يعني إنه سهلت الهمزة بإبدالها ياء لكسرة ما قبلها، وفي التوراة تغرب في ماء وطين.
وقال تبع:
فرأى مغيب الشمس عند مآبها ** في عين ذي خلب وثاط حرمد

أي في عين ماء ذي طين وحم أسود.
وفي حديث أبي ذر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى الشمس عند غروبها فقال: أتدري أين تغرب يا أبا ذر؟ فقلت: لا فقال: إنها تغرب في عين حامية» وهذا الحديث وظاهر النص دليل على أن قوله: {في عين} متعلق بقوله: {تغرب} لا ما قاله بعض المتعسفين أن قوله في {عين حمئة} إنما المراد أن ذا القرنين كان فيها أي هي آخر الأرض، ومعنى {تغرب في عين} أي فيما ترى العين لا أن ذلك حقيقة كما نشاهدها في الأرض الملساء كأنها تدخل في الأرض، ويجوز أن تكون هذه العين من البحر، ويجوز أن تكون الشمس تغيب وراءها، وزعم بعض البغداديين أن {في} بمعنى عند أي {تغرب} عند عين.
{ووجد عندها قومًا} أي عند تلك العين.
قال ابن السائب: مؤمنين وكافرين.
وقال غيره: كفرة لباسهم جلود السباع وطعامهم ما أحرقته الشمس من الدواب، وما لفظته العين من الحوت إذا غربت.
وقال وهب: انطلق يؤم المغرب إلى أن انتهى إلى باسك فوجد جمعًا لا يحصيهم إلاّ الله، فضرب حولهم ثلاثة عساكر حتى جمعهم في مكان واحد، ثم دخل عليهم في النور ودعاهم إلى عبادة الله، فمنهم من آمن ومنهم من صدّ عنه.
وقال أبو زيد السهيلي: هم أهل حابوس ويقال لها بالسريانية جرجيسًا يسكنها قوم من نسل ثمود.
بقيتهم الذين آمنوا بصالح عليه السلام.
وظاهر قوله: {قلنا} أنه أوحى الله إليه على لسان ملك.
وقيل: كلمه كفاحًا من غير رسول كما كلم موسى عليه السلام، وعلى هذين القولين يكون نبيًا ويبعد ما قاله بعض المتأولين أنه إلهام وإلقاء في روعه لأن مثل هذا التخيير لا يكون إلاّ بوحي إذ التكاليف وإزهاق النفوس لا تتحقق بالإلهام إلاّ بالإعلام.
وقال عليّ بن عيسى: المعنى {قلنا} يا محمد قالوا {يا ذا القرنين} ثم حذف القول الأول لأن ذا القرنين لم يصح أنه نبي فيخاطبه الله، وعلى هذا يكون الضمير الذي في قالوا.
المحذوفة يعود على جنده وعسكره الذين كانوا معه.
وقوله: {إما أن تعذب} بالقتل على الكفر {وإما أن تتخذ فيهم حسنًا} أي بالحمل على الإيمان والهدى، إما أن تكفر فتعذب، وإما أن تؤمن فتحسن فعبر في التخيير بالمسبب عن السبب.
قال الطبري: اتخاذ الحسن هو أسرهم مع كفرهم يعني أنه خير مع كفرهم بين قتلهم وبين أسرهم، وتفصيل ذي القرنين {أما من ظلم} و{أما من آمن} يدفع هذا القول ولما خيره تعالى بين تعذيبهم ودعائهم إلى الإسلام اختار الدعوة والاجتهاد في استمالتهم.
فقال: أما من دعوته فأبى إلاّ البقاء على الظلم وهو الكفر هنا بلا خلاف فذلك هو المعذب في الدارين، وأما من آمن وعمل ما يقتضيه الإيمان فله جزاء الحسنى.
وأتى بحرف التنفيس في {فسوف نعذبه} لما يتخلل بين إظهاره كفره وبين تعذيبه من دعائه إلى الإيمان وتأبيه عنه، فهو لا يعاجلهم بالقتل على ظلمهم بل يدعوهم ويذكرهم فإن رجعوا وإلاّ فالقتل.
وقوله: {ثم يرد إلى ربه} أي يوم القيامة وأتى بنون العظمة في {نعذبه} على عادة الملوك في قولهم نحن فعلنا.
وقوله: {إلى ربه} فيه إشعار بأن التخيير لذي القرنين ليس من الله تعالى، إذ لو كان كذلك لكان التركيب ثم يرد إليك فتعذبه، ولا يبعد أن يكون التخيير من الله ويكون قد أعلم ذو القرنين بذلك أتباعه ثم فصل مخاطبًا لأتباعه لا لربه تعالى، وما أحسن مجيء هذه الجمل لما ذكر ما يستحقه من ظلم بدأ بما هو أقرب لهم ومحسوس عندهم، وهو قوله: {فسوف نعذبه} ثم أخبر بما يلحقه آخرًا يوم القيامة وهو تعذيب الله إياه العذاب النكر ولأن الترتيب الواقع هو كذا ولما ذكر ما يستحقه {من آمن وعمل صالحًا} ذكر جزاء الله له في الآخرة وهو {الحسنى} أي الجنة لأن طمع المؤمن في الآخرة ورجاءه هو الذي حمله على أن آمن لأجل جزائه في الآخرة، وهو عظيم بالنسبة للإحسان في الدنيا ثم أتبع ذلك بإحسانه له في الدنيا بقوله: {وسنقول له من أمرنا يسرًا} أي لا نقول له ما يتكلفه مما هو شاق عليه أي قولًا ذا يسر وسهولة كما قال قولًا ميسورًا.
ولما ذكر ما أعد الله له من الحسنى جزاء لم يناسب أن يذكر جزاءه بالفعل بل اقتصر على القول أدبًا مع الله تعالى وإن كان يعلم أنه يحسن إليه فعلًا وقولًا.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص وأبو بحرية والأعمش وطلحة وابن مناذر ويعقوب وأبو عبيد وابن سعدان وابن عيسى الأصبهاني وابن جبير الأنطاكي ومحمد بن جرير {فله جزاء} بالنصب والتنوين وانتصب {جزاء} على أنه مصدر في موضع الحال أي مجازي كقولك في الدار قائمًا زيد.
وقال أبو علي قال أبو الحسن: هذا لا تكاد العرب تكلم به مقدمًا إلاّ في الشعر.
وقيل: انتصب على المصدر أي يجزي {جزاء}.
وقال الفراء: ومنصوب على التفسير والمراد بالحسنى على قراءة النصب الجنة.
وقرأ باقي السبعة {جزاء الحسنى} برفع {جزاء} مضافًا إلى {الحسنى}.
قال أبو عليّ جزاء الخلال الحسنة التي أتاها وعملها أو يراد بالحسنى الحسنة والجنة هي الجزاء، وأضاف كما قال دار الآخرة و{جزاء} مبتدأ وله خبره.
وقرأ عبد الله بن إسحاق {فله جزاء} مرفوع وهو مبتدأ وخبر و{الحسنى} بدل من {جزاء}.
وقرأ ابن عباس ومسروق {جزاء} نصب بغير تنوين {الحسنى} بالإضافة، ويخرج على حذف المبتدأ لدلالة المعنى عليه، أي {فله} الجزاء {جزاء الحسنى} وخرجه المهدوي على حذف التنوين لالتقاء الساكنين.
وقرأ أبو جعفر {يسرًا} بضم السين حيث وقع.
{ثم أتبع سببًا} أي طريقًا إلى مقصده الذي يسر له.
وقرأ الحسن وعيسى وابن محيصن {مطلع} بفتح اللام، ورويت عن ابن كثير وأهل مكة وهو القياس.
وقرأ الجمهور بكسرها وهو سماع في أحرف معدودة، وقياس كسره أن يكون المضارع تطلع بكسر اللام وكان الكسائي يقول: هذه لغة ماتت في كثير من لغات العرب، يعني ذهب من يقول من العرب تطلع بكسر اللام وبقي {مطلع} بكسرها في اسم المكان والزمان على ذلك القياس، والقوم هنا الزنج.
وقال قتادة هم الهنود وما وراءهم.
والستر البنيان أو الثياب أو الشجر والجبال أقوال، والمعنى أنهم لا شيء لهم يسترهم من حر الشمس.
وقيل: تنفذ الشمس سقوفهم وثيابهم فتصل إلى أجسامهم.
فقيل: إذا طلعت نزلوا الماء حتى ينكسر حرها قاله الحسن وقتادة وابن جريج.
وقيل: يدخلون أسرابًا.
وقال مجاهد: السودان عند مطلع الشمس أكثر من جميع أهل الأرض.
قال ابن عطية: والظاهر من اللفظ أنها عبارة بليغة عن قرب الشمس منهم، وفعلها بقدرة الله فيهم ونيلها منهم، ولو كانت لهم أسراب لكان سترًا كثيفًا انتهى.
وقال بعض الرجاز:
بالزنج حرّ غير الأجسادا ** حتى كسى جلودها سوادا

وذلك إنما هو من قوة حرّ الشمس عندهم واستمرارها.
كذلك الإشارة إلى البلوغ أي كما بلغ مغرب الشمس بلغ مطلعها.
وقيل {أتبع سببًا} كما {أتبع سببًا}.
وقيل: كما وجد أولئك عند مغرب الشمس وحكم فيهم كذلك وجد هؤلاء عند مطلع الشمس وحكم فيهم.
وقيل: كذلك أمرهم كما قصصنا عليكم.
وقيل: {تطلع} طلوعها مثل غروبها.
وقيل: {لم نجعل لهم من دونها سترًا} أي مثل أولئك الذين وجدهم في مغرب الشمس كفرة مثلهم، وحكمهم مثل حكمهم في التعذيب لمن بقي على الكفر والإحسان لمن آمن.
وقال الزمخشري: {كذلك} أي أمر ذي القرنين كذلك أي كما وصفناه تعظيمًا لأمره.
وقيل {لم نجعل لهم من دونها سترًا} مثل ذلك الستر الذي جعلنا لكم من الجبال والحصون والأبنية والأكنان من كل جنس، والثياب من كل صنف.
وقال ابن عطية: {كذلك} معناه فعل معهم كفعله مع الأولين أهل المغرب، وأخبر بقوله: {كذلك} ثم أخبر تعالى عن إحاطته بجميع ما لدى ذي القرنين وما تصرّف فيه من أفعاله، ويحتمل أن يكون {كذلك} استئناف قول ولا يكون راجعًا على الطائفة الأولى فتأمله، والأول أصوب انتهى.
وإذا كان مستأنفًا لا تعلق له بما قبله فيحتاج إلى تقدير يتم به كلامًا. اهـ.